كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وليس في الآية ذكر الرضاع، وهو كالنسب على ما تقدم.
وعند الشعبِيّ وعكرمة ليس العم والخال من المحارم.
وقال عكرمة: لم يذكرهما في الآية لأنهما تبعان لأبنائهما.
الثالثة عشرة: قوله تعالى: {أَوْ نِسَآئِهِنَّ} يعني المسلمات، ويدخل في هذا الإماء المؤمنات، ويخرج منه نساء المشركين من أهل الذمة وغيرهم؛ فلا يحل لامرأة مؤمنة أن تكشف شيئًا من بدنها بين يدي امرأة مشركة إلا أن تكون أَمَة لها؛ فذلك قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}.
وكان ابن جريج وعُبَاد بن نُسَيّ وهشام القارىء يكرهون أن تقبّل النصرانيةُ المسلمة أو ترى عورتها؛ ويتأوّلون {أو نسائهن}.
وقال عُبَادة بن نُسَيّ: وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بن الجرّاح: أنه بلغني أن نساء أهل الذمّة يدخلن الحمّامات مع نساء المسلمين؛ فامنع من ذلك، وحُلْ دونه؛ فإنه لا يجوز أن ترى الذمّية عِرْية المسلمة.
قال: فعند ذلك قام أبو عبيدة وابتهل وقال: أيُّما امرأة تدخل الحمام من غير عذر لا تريد إلا أن تبيّض وجهها فسوّد الله وجهها يوم تبيضّ الوجوه.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يحل للمسلمة أن تراها يهودية أو نصرانية؛ لئلا تصفها لزوجها.
وفي هذه المسألة خلاف للفقهاء.
فإن كانت الكافرة أمَةً لمسلمة جاز أن تنظر إلى سيدتها؛ وأما غيرها فلا، لانقطاع الولاية بين أهل الإسلام وأهل الكفر، ولما ذكرناه.
والله أعلم.
الرابعة عشرة: قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} ظاهر الآية يشمل العبيد والإماء المسلمات والكتابيّات.
وهو قول جماعة من أهل العلم، وهو الظاهر من مذهب عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما.
وقال ابن عباس: لا بأس أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته.
وقال أشهب: سئل مالك أتُلْقِي المرأة خمارها بين يدي الخِصِيّ؟ فقال نعم: إذا كان مملوكًا لها أو لغيرها؛ وأما الحرّ فلا.
وإن كان فحلًا كبيرًا وَغْدًا تملكه، لا هيئة له ولا مَنْظَر فلينظر إلى شعرها.
قال أشهب قال مالك: ليس بواسع أن تدخل جارية الولد أو الزوجة على الرجل المرحاضَ؛ قال الله تعالى: {أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}.
وقال أشهب عن مالك: ينظر الغلام الوَغْد إلى شعر سيّدته، ولا أحبه لغلام الزوج.
وقال سعيد بن المسيب: لا تغرّنكم هذه الآية {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} إنما عُنِىَ بها الإماء ولم يُعْن بها العبيد.
وكان الشعبيّ يكره أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته.
وهو قول مجاهد وعطاء.
وروى أبو داود عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعَبْد قد وهبه لها، قال: وعلى فاطمة ثوبٌ إذا غطّت به رأسها لم يبلغ إلى رجليها، وإذا غطّت به رجليها لم يبلغ إلى رأسها؛ فلما رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم ما تَلْقَى من ذلك قال: «إنه لا بأس عليك إنما هو أبوك وغلامك».
الخامسة عشرة: قوله تعالى: {أَوِ التابعين غَيْرِ أُوْلِي الإربة} أي غير أولي الحاجة.
والإرْبَةُ الحاجة، يقال: أرِبْت كذا آرِب أرَبًا.
والإرْب والإربة والمَأْرُبة والأَرَب: الحاجة؛ والجمع مآرب؛ أي حوائج.
ومنه قوله تعالى: {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى}.
[طه: 18] وقد تقدم.
وقال طَرَفة:
إذا المرء قال الجهل والحوب والخنا ** تقدّم يومًا ثم ضاعت مآربه

واختلف الناس في معنى قوله: {(51) ولولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ} فقيل: هو الأحمق الذي لا حاجة به إلى النساء.
وقيل الأبله.
وقيل: الرجل يتبع القوم فيأكل معهم ويرتفق بهم؛ وهو ضعيف لا يكترث للنساء ولا يشتهيهن.
وقيل العِنِّين.
وقيل الخِصِيّ.
وقيل المخنَّث.
وقيل الشيخ الكبير، والصبيّ الذي لم يُدْرك.
وهذا الاختلاف كلّه متقارب المعنى، ويجتمع فيمن لا فَهْم له ولا هِمّة ينتبه بها إلى أمر النساء.
وبهذه الصفة كان هِيْت المخنَّث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سمع منه ما سمع من وصف محاسن المرأة: بادِيَةَ ابنة غَيْلان، أمر بالاحتجاب منه.
أخرج حديثه مسلم وأبو داود ومالك في الموطّأ وغيرهم عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة.
قال أبو عمر: ذكر عبد الملك بن حبيب عن حبيب كاتب مالك قال: قلت لمالك: إن سفيان زاد في حديث ابنة غَيْلان: أن مخنَّثًا يقال له هِيْت وليس في كتابك هيت؟ فقال مالك: صدق، هو كذلك وغرّبه النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى الحِمَى وهو موضع من ذي الحُلَيَفة ذات الشمال من مسجدها.
قال حبيب وقلت لمالك: وقال سفيان في الحديث: إذا قعدت تَبَنّت، وإذا تكلّمت تَغَنّت.
قال مالك: صدق، هو كذلك.
قال أبو عمر: ما ذكره حبيب كاتب مالك عن سفيان أنه قال في الحديث يعني حديث هشام بن عروة أن مخنثًا يدعى هِيْتًا فغير معروف عند أحد من رواته عن هشام، لا ابن عيينة ولا غيره، ولم يقل في نَسَق الحديث إن مخنثًا يدعى هيتًا، وإنما ذكره عن ابن جُريج بعد تمام الحديث، وكذلك قوله عن سفيان أنه يقول في الحديث: إذا قعدت تبنّت وإذا تكلّمت تغنّت، هذا ما لم يقله سفيان ولا غيره في حديث هشام بن عروة، وهذا اللفظ لا يوجد إلا من رواية الواقدي، والعجب أنه يحكيه عن سفيان ويحكي عن مالك أنه كذلك، فصارت رواية عن مالك، ولم يروه عن مالك غير حبيب ولا ذكره عن سفيان غيره أيضًا، والله أعلم.
وحبيب كاتب مالك متروك الحديث ضعيف عند جميعهم، لا يُكتب حديثه ولا يلتفت إلى ما يجيء به.
ذكر الواقِدِيّ والكَلْبي أن هِيْتًا المخنَّث قال لعبد الله بن أُمَيّة المخزوميّ وهو أخو أمّ سَلَمة لأبيها وأمّه عاتكة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال له وهو في بيت أخته أمِّ سلمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع: إن فتح الله عليكم الطائفَ فعليك ببادِيَةَ بنت غَيْلان بن سَلَمة الثَّقَفِيّ، فإنها تُقْبل بأربع وتُدْبر بثمان، مع ثَغْر كالأقْحُوان، إن جلست تَبَنّت وإن تكلّمت تغنّت، بين رجليها كالإناء المكفوء، وهي كما قال قَيْس بن الخَطِيم:
تغْتَرِق الطّرفَ وهي لاهِيَةٌ ** كأنما شَفّ وَجْهَها نُزُفُ

بين شُكُول النساء خِلْقَتُها ** قَصْدٌ فلا جَبْلَةٌ ولا قَضَف

تنام عن كُبْر شأنها فإذا ** قامتْ رُوَيْدًا تكاد تَنْقَصِف

فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لقد غلغلت النظر إليها يا عدوّ الله» ثم أجلاه عن المدينة إلى الحِمَى.
قال: فلما افْتُتحت الطائف تزوّجها عبد الرحمن بن عَوف فولدت له منه بُرَيْهة؛ في قول الكلبي.
ولم يزل هِيت بذلك المكان حتى قُبض النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلما وَلِيَ أبو بكر كُلِّم فيه فأبى أن يرّده، فلما وَلِيَ عمر كُلِّم فيه فأبى، ثم كُلّم فيه عثمان بعدُ.
وقيل: إنه قد كَبِر وضَعُف واحتاج، فأذن له أن يدخل كل جمعة فيسأل ويرجع إلى مكانه.
قال: وكان هِيت مولًى لعبد الله بن أبي أمية المخزومي، وكان له طُوَيْس أيضًا، فمن ثَمّ قَبِل الخَنَث.
قال أبو عمر: يقال: بادية بالياء وبادنة بالنون، والصواب فيه عندهم بالياء، وهو قول أكثرهم، وكذلك ذكره الزبيري بالياء.
السادسة عشرة: وصف التابعين ب {غير} لأن التابعين غير مقصودين بأعيانهم، فصار اللفظ كالنكرة.
و{غير} لا يتمحّض نكرة فجاز أن يجري وصفًا على المعرفة.
وإن شئت قلت هو بدل.
والقول فيها كالقول في {غير المغضوب عليهم}.
وقرأ عاصم وابن عامر {غيرَ} بالنصب فيكون استثناء؛ أي يبدين زينتهن للتابعين إلا ذا الإرْبة منهم.
ويجوز أن يكون حالًا؛ أي والذين يتبعونهن عاجزين عنهن؛ قاله أبو حاتم.
وذو الحال ما في {التابعين} من الذكر.
السابعة عشرة: قوله تعالى: {أَوِ الطفل} اسم جنس بمعنى الجمع، والدليل على ذلك نعتُه ب {الذين}.
وفي مصحف حَفْصة {أو الأطفال} على الجمع.
ويقال: طفلٌ ما لم يراهق الحُلُم.
و{يَظْهَرُواْ} معناه يطلعوا بالوطء؛ أي لم يكشفوا عن عوراتهنّ للجماع لصغرهنّ.
وقيل: لم يبلغوا أن يطيقوا النساء؛ يقال: ظهرت على كذا أي علمته، وظهرت على كذا أي قهرته.
والجمهور على سكون الواو من {عورات} لاستثقال الحركة على الواو.
وروي عن ابن عباس فتح الواو؛ مثل جَفْنة وجفنات.
وحكى الفراء أنها لغة قيس {عورات} بفتح الواو.
النحاس: وهذا هو القياس؛ لأنه ليس بنعت، كما تقول: جفنة وجفنات؛ إلا أن التسكين أجود في {عورات} وأشباهه، لأن الواو إذا تحرّكت وتحرك ما قبلها قُلبت ألفًا؛ فلو قيل هذا لذهب المعنى.
الثامنة عشرة: اختلف العلماء في وجوب ستر ما سوى الوجه والكفين منه على قولين: أحدهما: لا يلزم؛ لأنه لا تكليف عليه، وهو الصحيح.
والآخر: يلزمه؛ لأنه قد يشتهى وقد تشتهى أيضًا هي؛ فإن راهق فحكمه حكم البالغ في وجوب السّتر.
ومثله الشيخ الذي سقطت شهوته؛ اختلف فيه أيضًا على قولين كما في الصبي، والصحيح بقاء الحرمة؛ قاله ابن العربي.
التاسعة عشرة: أجمع المسلمون على أن السَّوْءتين عورة من الرجل والمرأة، وأن المرأة كلّها عورة، إلا وجهها ويديها فإنهم اختلفوا فيهما.
وقال أكثر العلماء في الرجل: من سرته إلى ركبته عورة؛ لا يجوز أن تُرَى.
وقد مضى في الأعراف القول في هذا مستوفًى.
المُوفِية عشرين: قال أصحاب الرأي: عورة المرأة مع عبدها من السّرة إلى الركبة.
ابن العربي: وكأنهم ظنوّها رجلًا أو ظنوه امرأة، والله تعالى قد حرّم المرأة على الإطلاق لنظر أو لذة، ثم استثنى اللذة للأزواج ومِلْك اليمين، ثم استثنى الزينة لاثني عشر شخصًا العبد منهم، فما لنا ولذلك! هذا نظر فاسد واجتهاد عن السداد متباعد.
وقد تأوّل بعض الناس قوله: {أو ما ملكت أيمانهنّ} على الإماء دون العبيد؛ منهم سعيد بن المسيِّب، فكيف يحملون على العبيد ثم يلحقون بالنساء، هذا بعيد جدّا قال ابن العربي وقد قيل: إن التقدير أو ما ملكت أيمانهنّ من غير أولِي الإرْبة أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال؛ حكاه المهدوِيّ.
الحادية والعشرون: قوله تعالى: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} الآية؛ أي لا تضرب المرأة برجلها إذا مشت لتُسْمِع صوت خَلْخَالها؛ فإسماع صوت الزينة كإبداء الزينة وأشدّ، والغرض التستر.
أسند الطبري عن المعتمر عن أبيه أنه قال: زعم حضرمِيّ أن امرأة اتخذت بُرَتَين من فضة واتخذت جَزْعًا فجعلت في ساقها فمرّت على القوم فضربت برجلها الأرض فوقع الخَلْخال على الجَزْع فصوّت؛ فنزلت هذه الآية، وسماع هذه الزينة أشدّ تحريكًا للشهوة من إبدائها؛ قاله الزجاج.